محمد أحمد الحبيب بين العبرات والعابرات
(منقول)
الشاعر محمد أحمد على الحبيب شاعر مُجيد، صادق في شعره، قوي في عباراته، جزل في معانيه، سلس في ألفاظه. يكتب الشعر بالطريقة التي يتعامل بها مع جميع الأشياء .. ليس هناك شيء في دنيا الحبيب أسهل من اللغة التي يكتب بها.. يطوعها كيف يكون التطويع !! ويطبعها كيف يكون التطبيع .. هو بالطبع ليس أفضل شعراء المنطقة.. ولكنه بالقطع من أفضل شعراء السودان.. وواحد من أميز شعراء الوطن العربي على مستوى القصيدة النمطية الشعبية الدارجة .
كنت انوي الكتابة عنه منذ زمان بعيد.. ولكنه صديق أقعدتني صداقتي به عن مدحه ونقد شعره الذي أحبه واتأمله في معظم أحوالي التي أصفو فيها مع نفسي واتآنس مع الشعر والأدب.
هو لا يعرف المداراة .. ولا الموالاة ... ولا المناجاة ... ولكنه يصب حديثه وشعره للعامة حين تكون دلالته للخاصة !!! ويخاطب الخاصة من أحبابه باللغة التي يحبها العامة !!! ويمازج بين الشدة واللين ... والمتعة والإحباط ... ويضرب الأمثال حين تتعذر الحقائق.. ويؤثر الصمت حين ينتظر الناس منه الكلام. ويرتجل النثر حين يخشى على نفسه من دبيب الشعر ولسع القوافي!! ...
وصف محبوبته وصفاً رصيناً رفيعاً شاملاً لكل جميل فيها ، ولكنه فرّقه على جميع شعره.. فلا تكاد تعرف عنها شيئاً إلا إذا وقفت على شعره كله !! ووصف نفسه وكأنه جزء من هذا النسيج الذي أحاط بمحبوبته حتى لا تكاد تعرف من هو الحبيب ومن هو المحبوب !!!.
هذه وقفة على أمشاط الأصابع سأكتبها على أجزاء سميتها "محمد أحمد الحبيب بين العبرات والعابرات". لم أكن أنوي بها إلا تسليط بعض الضوء على كنوزه الخبيئة.. ودرره المدفونة .. وجواهره المكنونة .. فهو رجل فرض على نفسه البساطة وخص نفسه بالانزواء.. وكتب على نفسه أنه شقي في مواطن السعادة .. وسعيد في دار الشقاء!!!...
هو الشاعر اللطيف الجميل ، النادر إنساناً، والعميق شاعراً، والبسيط سلوكاً ومنهجاً !! عاشرته زماناً طويلاً فلم يزدني علمي بأحواله إلا جهلاً بأسراره.. ولم يزدني بعدي عنه إلا تعلقاً بشعره وحباً لشخصه ..
وعابرة التي امتدحها حتى اقشعر بدنه، واضمحل قوامه، وغار غزاله، ليست كليلى التي عشقها المجنون حتى مات من العشق .. ولا هي كنوار التي مات الفرزدق نادماً على طلاقها ندامة الكسعي!!! وإنما هي مجرد قصة عابرة في حياته بحق!!! فهو صادق إلى أبعد غايات الصدق في هذا. ولا أدري ماذا سيكون حاله إن لم تكن هذه الجعفرية الغالية مجرد قصة عابرة في حياته !!!! وماذا سيكون حاله أن لم يكن قلبه قد تعلقها عرضاً !!! وماذا سيكون حالنا نحن إن كان هذا الشعر كله في متعلق بها ليست مجرد عابرة !!!!
ثم إذا خالجك شك في أنها ليست عابرة كما يقول .. جاءك بشك أكبر من هذا فقال لك العابرة ليست هي وليست العلاقة التي بيننا ... إنما العابرة هي قصيدتي فيها !!! فزادك شكاً إلى شكّك وحيرة إلى حيرتك !!!
كلما اقــــــول آخر دي عابرة.. تاني ألقى اشعاري تسري
تنـــــــــدفع قدامي دافــــــرة ......زي مياه النيل بتجري
وفي بوادي احزاني فاضت ..وما اتكست وجداني خضرة
ما أعظمك أخي الحبيب شاعراً !!! أنظر إلى التقديم والتأخير الرائع في "كلما اقول آخر دي عابرة" والمقصود " كلما اقول دي آخر عابرة !!! ثم انظر إلى الحرب التي تستعر عنده بين المفردات عندما تتنافس عند باب بيته !!! تندفع قدامي دافرة ... زي مياه النيل بتجري !!! وانظر كيف خص مياه النيل بالجريان دون غيرها لأنه يريد أمراً آخر غير الجريان !!! وهو العذوبة التي هي حال غير مقصود لمحل مقصود!!!
ولكن ماهي النتيجة ؟؟؟
فاضت بوادي أحزانه ولم تكتس وجدانه بالخضرة التي هي من توابع هذا الاندفاع والجريان والفيضان .. أنها صفحة من صفحات الإبداع عن شاعرنا الحبيب ..
بدأ الحبيب هذه القصيدة الرائعة ببيت عجيب التكوين غريب المحتوى ممتلئ الرجاء عميق العتاب ..
عابرة يا بت المداين ، ثم استطرد قائلا والمدن ما فيها عشرة !!! ولم يكن بالطبع يقصد إلقاء اللوم على المدينة أو رميها ببعض الحجارة .. كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، ولكنه نثر وصفاً طابق موصوفه!! فالمدن إذا ما قورنت بطيبة القرية وحنين أهلها حيث تربى شاعرنا ، وحيث الناس بنو عمومة وخئولة عرباً كانوا أم عجماً .. وهم جميعاًًًًًًًًًًًًً كذلك "زيتهم في بيتهم" يزرعون سويا ويحصدون سوياً ويأكلون سوياً ويجتمعون على المريض ويتفرقون على نية الاجتماع، لعلمت أن المدينة بضجيجها وزخمها ومشغولياتها وعدم تجانس أيامها ولياليها لا تكاد تشبه ذلك العالم الذي عشقه الحبيب وترعرع بين كثبانه وشرب من ثديي نيله !!! كما أنه تفادى تلك المشافهة القاتلة التي لجأ إليها أبو الطيب المتنبي حين صرخ بغدر الحبيبة قائلاً :
إذا غدرت حسناء أوقت بعهدها فمن عهدها الا يدوم لها عهد
فجاء الحبيب ملقياً باللوم على المدينة خوفاً على المحبوب من وقع السهام !!!! وجاء بمحل غير مقصود لحال مقصود !!! ثم قال :
يا حليل ايام وراحت خلفت جوايا حسرة ..
وحينما اعتاد الناس أن يتباكوا على الماضي الجميل فجعنا الحبيب ببكائه منه لا بكائه عليه !! وكيف يبكي علي ماض تكوّن من تراب الحزن وسيل الدموع!!!
للأسف يا عابرة عارف إنو في دربك ضياعي
إلا برضو مصر أجازف حأظل طول عمري ساعي
ولي عيونك لازم أوصل وحتى لو ما اليلي بكرة
الاسف عند الحبيب عبارة لطيفة مليئة بالحسرة محاطة بالدموع ليس من معانيها الاعتذار الذي درجت العامة على إطلاقه ولذلك تجده يقول في موضع آخر
دافن حبي سبعة أراضي آسف لو ظهر في وشي
لا بترضيهو لا أنا راضي يا عابرة العليك على
وهذا البيت نفسه من أجود ما كتب الحبيب وفيه شيء من نفس الشاعر العملاق اسماعيل حسن حين يقول :
يا مرسال رسايل الشوق زمن كايس أراضيهم
وصف لي درب الريد عشان أوصل واراضيهم
فيقول
للأسف ياعابرة عارف إنو في دربك ضياعي
إلا برضو مصر أجازف حأظل طول عمري ساعي
تصور أن الحبيب يعلم حجم الخطر المحدق به وقد ذكر طرفاً منه في مواضع كثيرة ولكن بتلميح ذكي يمكن الوصول إليه ببعض التأمل!!! ومع ذلك فهو ماض في هذا الطريق الوعر ولم يفت عليه أن يستخدم لفظ المجازفة لتأكيد الخطورة والوعورة ثم يستخدم السعي لتأكيد الحرص وشدة الرغبة ويستخدم الإصرار لتأكيد الوصول إلى الهدف مهما كلفه الأمر .. وهو صورة سبقه ببعض منها الشاعر البديع إبراهيم ابنعوف ولكن بشئ من الخنوع واليأس حين قال :
كوسي لي الخلاص من بدري في حبك تراي غرق
عارف نفسي ما بلقاكي ساكت فيك متعلق
وما عناه الشاعر ابراهيم كان قمة في الاستسلام لحاله التي يرثى لها بينما نجد الحبيب كان قمة في النضال من اجل الهدف وكلاهما أجاد وأحسن فيما ذهب إليه تحقيقاً لغرضه الذي استخلص منه المعنى.
ومن بديع لغة الحبيب أنه يفيد المعنى بأرق العبارات أنظر إلى المجاز المرسل في قوله ولي عيونك لازم أوصل .. وكيف أنه عاود الإصرار على الوصول إلى محبوبه مهما كلفه ذلك وفي اعتقاده أن المسألة مسألة وقت فقط وليس ثمة شيء آخر .. ولا يفوت على القارئ الحصيف أنه حينما يصرح بصعوبة الوصول إلى محبوبه إنما يؤكد قدر وعزم المحبوب فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم!! ويؤكد قدر نفسه كذلك حين ينتصر على معضلته ويحقق هدفه ، وهو ذات الأسلوب الذي كان يستخدمه عنترة العبسي حين يقول:
ومدجج كره الكماة نزاله لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنة بمثقف صدق الكعوب مقوم
فعنترة يثبت منتهى شجاعته من جهة قوة خصمه وشجاعة عدوه وهذا منتهى الروعة في التعبير والبراعة في الوصول إلى الهدف.
(منقول)
الشاعر محمد أحمد على الحبيب شاعر مُجيد، صادق في شعره، قوي في عباراته، جزل في معانيه، سلس في ألفاظه. يكتب الشعر بالطريقة التي يتعامل بها مع جميع الأشياء .. ليس هناك شيء في دنيا الحبيب أسهل من اللغة التي يكتب بها.. يطوعها كيف يكون التطويع !! ويطبعها كيف يكون التطبيع .. هو بالطبع ليس أفضل شعراء المنطقة.. ولكنه بالقطع من أفضل شعراء السودان.. وواحد من أميز شعراء الوطن العربي على مستوى القصيدة النمطية الشعبية الدارجة .
كنت انوي الكتابة عنه منذ زمان بعيد.. ولكنه صديق أقعدتني صداقتي به عن مدحه ونقد شعره الذي أحبه واتأمله في معظم أحوالي التي أصفو فيها مع نفسي واتآنس مع الشعر والأدب.
هو لا يعرف المداراة .. ولا الموالاة ... ولا المناجاة ... ولكنه يصب حديثه وشعره للعامة حين تكون دلالته للخاصة !!! ويخاطب الخاصة من أحبابه باللغة التي يحبها العامة !!! ويمازج بين الشدة واللين ... والمتعة والإحباط ... ويضرب الأمثال حين تتعذر الحقائق.. ويؤثر الصمت حين ينتظر الناس منه الكلام. ويرتجل النثر حين يخشى على نفسه من دبيب الشعر ولسع القوافي!! ...
وصف محبوبته وصفاً رصيناً رفيعاً شاملاً لكل جميل فيها ، ولكنه فرّقه على جميع شعره.. فلا تكاد تعرف عنها شيئاً إلا إذا وقفت على شعره كله !! ووصف نفسه وكأنه جزء من هذا النسيج الذي أحاط بمحبوبته حتى لا تكاد تعرف من هو الحبيب ومن هو المحبوب !!!.
هذه وقفة على أمشاط الأصابع سأكتبها على أجزاء سميتها "محمد أحمد الحبيب بين العبرات والعابرات". لم أكن أنوي بها إلا تسليط بعض الضوء على كنوزه الخبيئة.. ودرره المدفونة .. وجواهره المكنونة .. فهو رجل فرض على نفسه البساطة وخص نفسه بالانزواء.. وكتب على نفسه أنه شقي في مواطن السعادة .. وسعيد في دار الشقاء!!!...
هو الشاعر اللطيف الجميل ، النادر إنساناً، والعميق شاعراً، والبسيط سلوكاً ومنهجاً !! عاشرته زماناً طويلاً فلم يزدني علمي بأحواله إلا جهلاً بأسراره.. ولم يزدني بعدي عنه إلا تعلقاً بشعره وحباً لشخصه ..
وعابرة التي امتدحها حتى اقشعر بدنه، واضمحل قوامه، وغار غزاله، ليست كليلى التي عشقها المجنون حتى مات من العشق .. ولا هي كنوار التي مات الفرزدق نادماً على طلاقها ندامة الكسعي!!! وإنما هي مجرد قصة عابرة في حياته بحق!!! فهو صادق إلى أبعد غايات الصدق في هذا. ولا أدري ماذا سيكون حاله إن لم تكن هذه الجعفرية الغالية مجرد قصة عابرة في حياته !!!! وماذا سيكون حاله أن لم يكن قلبه قد تعلقها عرضاً !!! وماذا سيكون حالنا نحن إن كان هذا الشعر كله في متعلق بها ليست مجرد عابرة !!!!
ثم إذا خالجك شك في أنها ليست عابرة كما يقول .. جاءك بشك أكبر من هذا فقال لك العابرة ليست هي وليست العلاقة التي بيننا ... إنما العابرة هي قصيدتي فيها !!! فزادك شكاً إلى شكّك وحيرة إلى حيرتك !!!
كلما اقــــــول آخر دي عابرة.. تاني ألقى اشعاري تسري
تنـــــــــدفع قدامي دافــــــرة ......زي مياه النيل بتجري
وفي بوادي احزاني فاضت ..وما اتكست وجداني خضرة
ما أعظمك أخي الحبيب شاعراً !!! أنظر إلى التقديم والتأخير الرائع في "كلما اقول آخر دي عابرة" والمقصود " كلما اقول دي آخر عابرة !!! ثم انظر إلى الحرب التي تستعر عنده بين المفردات عندما تتنافس عند باب بيته !!! تندفع قدامي دافرة ... زي مياه النيل بتجري !!! وانظر كيف خص مياه النيل بالجريان دون غيرها لأنه يريد أمراً آخر غير الجريان !!! وهو العذوبة التي هي حال غير مقصود لمحل مقصود!!!
ولكن ماهي النتيجة ؟؟؟
فاضت بوادي أحزانه ولم تكتس وجدانه بالخضرة التي هي من توابع هذا الاندفاع والجريان والفيضان .. أنها صفحة من صفحات الإبداع عن شاعرنا الحبيب ..
بدأ الحبيب هذه القصيدة الرائعة ببيت عجيب التكوين غريب المحتوى ممتلئ الرجاء عميق العتاب ..
عابرة يا بت المداين ، ثم استطرد قائلا والمدن ما فيها عشرة !!! ولم يكن بالطبع يقصد إلقاء اللوم على المدينة أو رميها ببعض الحجارة .. كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، ولكنه نثر وصفاً طابق موصوفه!! فالمدن إذا ما قورنت بطيبة القرية وحنين أهلها حيث تربى شاعرنا ، وحيث الناس بنو عمومة وخئولة عرباً كانوا أم عجماً .. وهم جميعاًًًًًًًًًًًًً كذلك "زيتهم في بيتهم" يزرعون سويا ويحصدون سوياً ويأكلون سوياً ويجتمعون على المريض ويتفرقون على نية الاجتماع، لعلمت أن المدينة بضجيجها وزخمها ومشغولياتها وعدم تجانس أيامها ولياليها لا تكاد تشبه ذلك العالم الذي عشقه الحبيب وترعرع بين كثبانه وشرب من ثديي نيله !!! كما أنه تفادى تلك المشافهة القاتلة التي لجأ إليها أبو الطيب المتنبي حين صرخ بغدر الحبيبة قائلاً :
إذا غدرت حسناء أوقت بعهدها فمن عهدها الا يدوم لها عهد
فجاء الحبيب ملقياً باللوم على المدينة خوفاً على المحبوب من وقع السهام !!!! وجاء بمحل غير مقصود لحال مقصود !!! ثم قال :
يا حليل ايام وراحت خلفت جوايا حسرة ..
وحينما اعتاد الناس أن يتباكوا على الماضي الجميل فجعنا الحبيب ببكائه منه لا بكائه عليه !! وكيف يبكي علي ماض تكوّن من تراب الحزن وسيل الدموع!!!
للأسف يا عابرة عارف إنو في دربك ضياعي
إلا برضو مصر أجازف حأظل طول عمري ساعي
ولي عيونك لازم أوصل وحتى لو ما اليلي بكرة
الاسف عند الحبيب عبارة لطيفة مليئة بالحسرة محاطة بالدموع ليس من معانيها الاعتذار الذي درجت العامة على إطلاقه ولذلك تجده يقول في موضع آخر
دافن حبي سبعة أراضي آسف لو ظهر في وشي
لا بترضيهو لا أنا راضي يا عابرة العليك على
وهذا البيت نفسه من أجود ما كتب الحبيب وفيه شيء من نفس الشاعر العملاق اسماعيل حسن حين يقول :
يا مرسال رسايل الشوق زمن كايس أراضيهم
وصف لي درب الريد عشان أوصل واراضيهم
فيقول
للأسف ياعابرة عارف إنو في دربك ضياعي
إلا برضو مصر أجازف حأظل طول عمري ساعي
تصور أن الحبيب يعلم حجم الخطر المحدق به وقد ذكر طرفاً منه في مواضع كثيرة ولكن بتلميح ذكي يمكن الوصول إليه ببعض التأمل!!! ومع ذلك فهو ماض في هذا الطريق الوعر ولم يفت عليه أن يستخدم لفظ المجازفة لتأكيد الخطورة والوعورة ثم يستخدم السعي لتأكيد الحرص وشدة الرغبة ويستخدم الإصرار لتأكيد الوصول إلى الهدف مهما كلفه الأمر .. وهو صورة سبقه ببعض منها الشاعر البديع إبراهيم ابنعوف ولكن بشئ من الخنوع واليأس حين قال :
كوسي لي الخلاص من بدري في حبك تراي غرق
عارف نفسي ما بلقاكي ساكت فيك متعلق
وما عناه الشاعر ابراهيم كان قمة في الاستسلام لحاله التي يرثى لها بينما نجد الحبيب كان قمة في النضال من اجل الهدف وكلاهما أجاد وأحسن فيما ذهب إليه تحقيقاً لغرضه الذي استخلص منه المعنى.
ومن بديع لغة الحبيب أنه يفيد المعنى بأرق العبارات أنظر إلى المجاز المرسل في قوله ولي عيونك لازم أوصل .. وكيف أنه عاود الإصرار على الوصول إلى محبوبه مهما كلفه ذلك وفي اعتقاده أن المسألة مسألة وقت فقط وليس ثمة شيء آخر .. ولا يفوت على القارئ الحصيف أنه حينما يصرح بصعوبة الوصول إلى محبوبه إنما يؤكد قدر وعزم المحبوب فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم!! ويؤكد قدر نفسه كذلك حين ينتصر على معضلته ويحقق هدفه ، وهو ذات الأسلوب الذي كان يستخدمه عنترة العبسي حين يقول:
ومدجج كره الكماة نزاله لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنة بمثقف صدق الكعوب مقوم
فعنترة يثبت منتهى شجاعته من جهة قوة خصمه وشجاعة عدوه وهذا منتهى الروعة في التعبير والبراعة في الوصول إلى الهدف.