الشفاية والضفيرة وأدواتهما: السعف (الزعف)- الحنقوق- التفتة- المخرز- الريكة- الطبق-البرتال- البرش- السباتة- القفة- الهبابة- النطع- المقطف - المشلعيب - التبروقة –
أعلموا أن الشفاية والضفيرة مهارة فائقة الدقة تقوم بها النسوة في العهود الماضية وما زالت تمارس في أرياف السودان خاصة غربي البلاد في دارفور وكردفان. ومن المؤسف أن هذه المهارة قد أندثرت أو كادت في قريتنا, وعلى أيام طفولتنا كانت حرفة وتسلية للسيدات كبار السن يقتلن بها الوقت وفي أحيان أخر تجلب لهن منفعة مالية حيث يبعن ما حاكته أيديهن في سوق ود مدني. وللشفاية معلمات بارعات منهن جدتي لوالدتي فاطمة بنت علي توراب عليها آلاف الرحمات فكانت فيما علمت أن لها فصلا لتعليم الشفاية تؤمه فتيات ذلك الزمان (نحن نتحدث عن عقد الثلاثينات والأربعينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي) يتلقين خلاله فنون المهنة حياكة وزركشة ودقة تصميم. وأحسب أن بناتها قد أجدن التعلم فقد كانت والدتي عليها رحمة الله تجيد الضفيرة والشفاية وأذكر أنها كانت تقضي الفترة بين الضحى والظهيرة شفاية أو ضفيرة أمامها كل أدوات المهنة (الحنقوق والمخرز والترّاية والسعف أو الزعف كما يحلو للبعض تسميته والمخرز وخلافها مما سيأتي شرحه).
ما كانت المراتب واللّحفات منتشرة كما الحال الآن وكانت البروش تفرش على العناقريب وننام عليها وتحت الرأس وسادة وهي بمثابة مخدات اليوم غير أنها في معظم الأحوال ثوب بال (توب طرق - بكسر الطاء وفتح الراء - أو جلباب مهرود أو خلافه مما عفا عليه الدهر من ملبوسات) نلفه ونضع الرأس عليه. أما مابلغ به الفناء مبلغا من الملبوسات فكان تستخدمه النسوة (وقاية) وتنطق ًWIGAYA للوردة وهي جلب الماء من النهر أو للفزعة وهي جلب الحطب من الغابة.
بعد هذه الرمية نعود لموضوعنا:-
السعف أو الزعف:
هو جريد النخل أو جريد أشجار الدوم وأجوده من أشجار الدوم لطراوتة ومرونته وطول عمره أما سعف النخيل قوي علي اليد وغير مرن. وخير السعف ما يؤتى به من الصعيد ( وجغرافياً بالنسبة لأهل الدناقلة فإن الصعيد هو المناطق الواقعة جنوب سنار حتى الحدود الاثيوبية) حيث يكثر شجر الدوم هناك وخاصة في مناطق الإنقسنا وكان السقف فيما مضى ينقل بالمراكب وفي طفولتنا كنا نشاهد المراكب القادمة من سنار محملة بالسعف ومؤخرا صار ينقل باللواري من الصعيد الى داخل السودان ولا أدري أن كانت هذه التجارة مستمرة على نحو ما مضى أم لا.
غضن سعف الدوم مركب الأوراق ومرصوصة داخل بعضها وموصولة في مؤخرتها بقاعدة الغصن. وعندما تنشف يميل لونها للأصفر (البيجي) ولكل طبقة من طبقات السعف جهة غليظة بحجم مليمترين تزيد أويقل قليلا تكون عادة في طرف الطبقة, والجزء الاخر بحجم ثلاثة أو أربعة سنتمترات وسمك ملمتر واحد. تقوم النسوة بفرز وفصل هذين الجزئين. الغليظ منها يسمى الحنقوق ويستخدم حشوه في شفاية الطبق والبرتال والريكة في صناعة المقاشيش (جمع مقشاشة أي مكنسة) أما الجزء العريض الناعم يشقق الى شرائح ويستخدم في الشفاية والضفيرة.
اقول أن السعف أنواع, النوع الجيد والناعم منه يستخدم في صناعة البراتيل وهي مختلفة الأحجام تستغل لغطاء صواني الأطعمة حيث يلوّن ذلك السعف بالأصباغ المسماة التفتة وكانت النسوة تشتري التفتة من سوق ود مدني وخير من يبيع أفضل أنواعها دكان بحر عبدالرحمن ولا أدري إن كان ذلك الدكان موجودا أم لا. وإذا ما أرادت النسوة زيادة الزركشة يستخدمن قش القمح وبه لمعة طبيعية جميلة يحافط على لمعته حتي إذا صبغ بالتفتة وبها يكتسب اللون المعدني metallic بمختلف الوان التفتة.
مهارة الصناعة تظهر في البرتال لأنه يقدم للضيوف وهو الاجود ويكون حجمة أكبر من الطبق العادي والأخير هو للإستعمال المنزلي اليومي. ويلي البرتال في دقة الصنعة برش العريس وهذا يفرش للعريس يوم حنة عرسة لذا تحرص كل سيدة أن تصنع بيدها برش حنّة ولدها أو حفيدها ويستخدم مثل هذا البرش بساطا ترقص عليه العروس لقطع رحطها. وسنأت لشرح لذلك في حينه.
أما النوع العادي من السعف فيستخدم في صناعة الريكة السباتات والقفاف والمقاطف والنطع والقلايب.
الريكة هي طبق من السعف تقوم النسوة بوضع الكسرة عليها وأحسب أنها إندثرت لأن النسوة أخذن في إستبدالها بالصواني المعدنية. والريكة تصنع من السعف درجة ثانية أو ثالثة ولا يلوّن سعفها بالتفتة ولا تدخل في صناعتها اية جماليات. وللحفاظ على طراوة الكسرة وإبعادها من النشفان يوضع كيس بلاستيك كبير تحت الكسرة ويغطي بها.
السباتة معروفة للكل وهي عبارة عن جدائل من الضفيرة تربط مع بعض وتكون طويلة وتستخدم لصلاة الجماعة, وكانت تجلس عليها الفتيات في حفلات العرس وقصيدة حسناء السباتة مشهورة ومغنّاة. أما الإمام فيستخدم التبروقة وهي من ذات السعف لكنها صفيرة تكفي لشخص واحد وهي إما دائرية أو مستطيلة ذات رقبة في وقدمتها للسجود. وللتبروقة إستخدامات هامة فكانت هي ما نجلس علية للمذاكرة في المساء على ضوء الفوانيس التي تعمل بالكيروسين وما كنا آنذاك نعرف الترابيز بمعنى الإستخدام الحالي لها فهناك تربيزتان واحدة تسمي تربيزة العدة وعليه ترص الأواني المنزلية للإستعراض والمباهاة بين النسوة والأخرى تربيزة الرتينة وهذه طويلة القامة توضع عليها الرتائن ليعم ضؤها المكان.
أما القفة فهي معروفة أيضا غير أن لها أنواع وأكبرها تسمى قفة القطع وهذه تستخدم لجمع قناديل العيش عند حصاده ونقلة (للتقا) وسيأتي شرح التقا لاحقا. وأصغر القفاف ما يسمي بقفة الملاح وهذه تستعمل للتبضع اليومي لكن مؤخرا ظهرت قفاف من نوع أخر فهي أقرب للطواقي يستعملها بائعو الخضروات في الملجة وأسواق الخضار ما كان لمثل هذه القفاف وجود من قبل. أما المقطف فهو أشبه بالزير من حيث الشكل ويصنع كما القفة, وله غطاء من السعف ويستعمل في تخزين الآبري أو الزريعة أوالبلح وخلافها. أما القلايب وواحدتها قليبة فهي تستعمل لنقل التراب او الرمل أو الخرصانة على ظهر الحمير وهي عبارة عن برش مخيط من ثلاثة جوانب وتوضع على ظهر الحمار بحيث يكون الجزء الفاتح إلى أعلى ثم تهال عليه الرمل أو التراب أو الخرصانة. وللقليبة مقدرة عجيبة في التوازن على ظهر الحمير ولا تحتاج لسرج أو بردعة أو لبدة - بكسر اللام وتسكين الباء- . اما النطع فهو مثل التبروقة الدائرية مفتوح من وسطه تستخدمه النسوة للدخان.
كل ما ذكر أعلاة من المشغولات اليدوية السعفية.
سنواصل ودمتم أحبتي.
عمر محمد أحمد صديق/ منتديات قرية الدناقلة
أعلموا أن الشفاية والضفيرة مهارة فائقة الدقة تقوم بها النسوة في العهود الماضية وما زالت تمارس في أرياف السودان خاصة غربي البلاد في دارفور وكردفان. ومن المؤسف أن هذه المهارة قد أندثرت أو كادت في قريتنا, وعلى أيام طفولتنا كانت حرفة وتسلية للسيدات كبار السن يقتلن بها الوقت وفي أحيان أخر تجلب لهن منفعة مالية حيث يبعن ما حاكته أيديهن في سوق ود مدني. وللشفاية معلمات بارعات منهن جدتي لوالدتي فاطمة بنت علي توراب عليها آلاف الرحمات فكانت فيما علمت أن لها فصلا لتعليم الشفاية تؤمه فتيات ذلك الزمان (نحن نتحدث عن عقد الثلاثينات والأربعينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي) يتلقين خلاله فنون المهنة حياكة وزركشة ودقة تصميم. وأحسب أن بناتها قد أجدن التعلم فقد كانت والدتي عليها رحمة الله تجيد الضفيرة والشفاية وأذكر أنها كانت تقضي الفترة بين الضحى والظهيرة شفاية أو ضفيرة أمامها كل أدوات المهنة (الحنقوق والمخرز والترّاية والسعف أو الزعف كما يحلو للبعض تسميته والمخرز وخلافها مما سيأتي شرحه).
ما كانت المراتب واللّحفات منتشرة كما الحال الآن وكانت البروش تفرش على العناقريب وننام عليها وتحت الرأس وسادة وهي بمثابة مخدات اليوم غير أنها في معظم الأحوال ثوب بال (توب طرق - بكسر الطاء وفتح الراء - أو جلباب مهرود أو خلافه مما عفا عليه الدهر من ملبوسات) نلفه ونضع الرأس عليه. أما مابلغ به الفناء مبلغا من الملبوسات فكان تستخدمه النسوة (وقاية) وتنطق ًWIGAYA للوردة وهي جلب الماء من النهر أو للفزعة وهي جلب الحطب من الغابة.
بعد هذه الرمية نعود لموضوعنا:-
السعف أو الزعف:
هو جريد النخل أو جريد أشجار الدوم وأجوده من أشجار الدوم لطراوتة ومرونته وطول عمره أما سعف النخيل قوي علي اليد وغير مرن. وخير السعف ما يؤتى به من الصعيد ( وجغرافياً بالنسبة لأهل الدناقلة فإن الصعيد هو المناطق الواقعة جنوب سنار حتى الحدود الاثيوبية) حيث يكثر شجر الدوم هناك وخاصة في مناطق الإنقسنا وكان السقف فيما مضى ينقل بالمراكب وفي طفولتنا كنا نشاهد المراكب القادمة من سنار محملة بالسعف ومؤخرا صار ينقل باللواري من الصعيد الى داخل السودان ولا أدري أن كانت هذه التجارة مستمرة على نحو ما مضى أم لا.
غضن سعف الدوم مركب الأوراق ومرصوصة داخل بعضها وموصولة في مؤخرتها بقاعدة الغصن. وعندما تنشف يميل لونها للأصفر (البيجي) ولكل طبقة من طبقات السعف جهة غليظة بحجم مليمترين تزيد أويقل قليلا تكون عادة في طرف الطبقة, والجزء الاخر بحجم ثلاثة أو أربعة سنتمترات وسمك ملمتر واحد. تقوم النسوة بفرز وفصل هذين الجزئين. الغليظ منها يسمى الحنقوق ويستخدم حشوه في شفاية الطبق والبرتال والريكة في صناعة المقاشيش (جمع مقشاشة أي مكنسة) أما الجزء العريض الناعم يشقق الى شرائح ويستخدم في الشفاية والضفيرة.
اقول أن السعف أنواع, النوع الجيد والناعم منه يستخدم في صناعة البراتيل وهي مختلفة الأحجام تستغل لغطاء صواني الأطعمة حيث يلوّن ذلك السعف بالأصباغ المسماة التفتة وكانت النسوة تشتري التفتة من سوق ود مدني وخير من يبيع أفضل أنواعها دكان بحر عبدالرحمن ولا أدري إن كان ذلك الدكان موجودا أم لا. وإذا ما أرادت النسوة زيادة الزركشة يستخدمن قش القمح وبه لمعة طبيعية جميلة يحافط على لمعته حتي إذا صبغ بالتفتة وبها يكتسب اللون المعدني metallic بمختلف الوان التفتة.
مهارة الصناعة تظهر في البرتال لأنه يقدم للضيوف وهو الاجود ويكون حجمة أكبر من الطبق العادي والأخير هو للإستعمال المنزلي اليومي. ويلي البرتال في دقة الصنعة برش العريس وهذا يفرش للعريس يوم حنة عرسة لذا تحرص كل سيدة أن تصنع بيدها برش حنّة ولدها أو حفيدها ويستخدم مثل هذا البرش بساطا ترقص عليه العروس لقطع رحطها. وسنأت لشرح لذلك في حينه.
أما النوع العادي من السعف فيستخدم في صناعة الريكة السباتات والقفاف والمقاطف والنطع والقلايب.
الريكة هي طبق من السعف تقوم النسوة بوضع الكسرة عليها وأحسب أنها إندثرت لأن النسوة أخذن في إستبدالها بالصواني المعدنية. والريكة تصنع من السعف درجة ثانية أو ثالثة ولا يلوّن سعفها بالتفتة ولا تدخل في صناعتها اية جماليات. وللحفاظ على طراوة الكسرة وإبعادها من النشفان يوضع كيس بلاستيك كبير تحت الكسرة ويغطي بها.
السباتة معروفة للكل وهي عبارة عن جدائل من الضفيرة تربط مع بعض وتكون طويلة وتستخدم لصلاة الجماعة, وكانت تجلس عليها الفتيات في حفلات العرس وقصيدة حسناء السباتة مشهورة ومغنّاة. أما الإمام فيستخدم التبروقة وهي من ذات السعف لكنها صفيرة تكفي لشخص واحد وهي إما دائرية أو مستطيلة ذات رقبة في وقدمتها للسجود. وللتبروقة إستخدامات هامة فكانت هي ما نجلس علية للمذاكرة في المساء على ضوء الفوانيس التي تعمل بالكيروسين وما كنا آنذاك نعرف الترابيز بمعنى الإستخدام الحالي لها فهناك تربيزتان واحدة تسمي تربيزة العدة وعليه ترص الأواني المنزلية للإستعراض والمباهاة بين النسوة والأخرى تربيزة الرتينة وهذه طويلة القامة توضع عليها الرتائن ليعم ضؤها المكان.
أما القفة فهي معروفة أيضا غير أن لها أنواع وأكبرها تسمى قفة القطع وهذه تستخدم لجمع قناديل العيش عند حصاده ونقلة (للتقا) وسيأتي شرح التقا لاحقا. وأصغر القفاف ما يسمي بقفة الملاح وهذه تستعمل للتبضع اليومي لكن مؤخرا ظهرت قفاف من نوع أخر فهي أقرب للطواقي يستعملها بائعو الخضروات في الملجة وأسواق الخضار ما كان لمثل هذه القفاف وجود من قبل. أما المقطف فهو أشبه بالزير من حيث الشكل ويصنع كما القفة, وله غطاء من السعف ويستعمل في تخزين الآبري أو الزريعة أوالبلح وخلافها. أما القلايب وواحدتها قليبة فهي تستعمل لنقل التراب او الرمل أو الخرصانة على ظهر الحمير وهي عبارة عن برش مخيط من ثلاثة جوانب وتوضع على ظهر الحمار بحيث يكون الجزء الفاتح إلى أعلى ثم تهال عليه الرمل أو التراب أو الخرصانة. وللقليبة مقدرة عجيبة في التوازن على ظهر الحمير ولا تحتاج لسرج أو بردعة أو لبدة - بكسر اللام وتسكين الباء- . اما النطع فهو مثل التبروقة الدائرية مفتوح من وسطه تستخدمه النسوة للدخان.
كل ما ذكر أعلاة من المشغولات اليدوية السعفية.
سنواصل ودمتم أحبتي.
عمر محمد أحمد صديق/ منتديات قرية الدناقلة